التعليق على مدونة الأسرة : أنواع الزوج وأحكامه.: الزواج غير الصحيح وآثاره (12).

سبق الحديث عن الزواج الصحيح واحكامه، وفيما يلي نتحدث عن الزواج غير الصحيح وآثاره وأحكامه.
وقد أقامت مدونة الأسرة تقسيما مغايرا لتقسيم مدونة الأحوال الشخصية الملغاة للزواج غير الصحيح ، فهذه الأخيرة جعلته قسما واحدا وهو الزواج الفاسد لكنها قسمته إلى زواج مجمع على فساده وزواج مختلف في فساده لوجود من براه صحيحا. اما مدونة الأسرة فجعلته قسمين زواج باطل وزواج فاسد حسب المادة 56 منها. وسنسير على هذا التقسيم في هذا الموضوع .


أولا : الزواج الباطل وآثاره.

نصت المادة 57 من مدونة الاسرة على أن الزواج يكون باطلا في الحالات التالية:
الحالة الأولى: إذا اختل فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 من نفس المدونة. والمقصود بها ركن الصيغة التي تتكون من الإيجاب والقبول ، والزواجان . 
الحالة الثانية: إذا وجد بين احد الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39.
وقد أشرنا إلى هذه لموانع في موضوع سابق وقلنا إنها قسمان: موانع مؤبدة وموانع مؤقتة
الحالة الثالثة: إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول. وقد أشرنا إلى هذا الشرط من قبل فلا بد أن يكون الإيجاب القبول متطابقان.

أحكام الزواج الباطل:

إذا اختل ركن او اكثر من أركان الزاوج بما يطابق ما نصت عليه المادة 57 من مدونة الاسرة، فإن المحكمة تصرح ببطلانه بمجرد اطلاعها عليه، او بطلب ممن يعنيه الأمر.
وإذا ثبت البطلان يفرق بين الزوجين بالفسخ قبل الدخول وبعده ولا يعد ذلك طلاقا.
يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء.
اما الصداق فقد فصلنا الكلام فيه من قبل، أما الاستبراء فهو يشبه العدة في مدته، والفرق بينهما ان العدة تكون من طلاق، والاستبراء يكون من زواج فسخ بسبب بطلانه أو فساده.
ويترتب عليه لحوق النسب وحرمة المصاهرة إذا كان بحسن نية.   

الزواج الفاسد وآثاره.

والمقصود بالزواج الفاسد هو ما اختل فيه شرط من شرط صحته وينقسم إلى قسمين:
الزاوج الفاسد لصداقه  وفق المادة 60 والزواج الفاسد لعقده وفق المادة 61.


أولا : الزاوج الفاسد لصداقه.

 جاء في المادة 60 :"
"يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية، ويصحح بعد البناء بصداق المثل، وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين".
وهذا المعنى عبر عنه ابن جزي رحمه الله بقوله :" ما كان فساده لصداقه فسخ قبل البناء وثبت بعده على المشهور، وقيل يفسخ فيهما " [القوانين الفقهية ص 364]، وهذا يوحي بوجود خلاف بين المالكية حسب الأقوال التي بينها ابن جزي وقد اختارت مدونة الأسرة القول الأول الذي يقضي بفسخ النكاح الفاسد لصداقه قبل البناء، وتصحيحه بعده مع وجوب صداق المثل.

ثانيا: الزواج الفاسد لعقده.

قال ابن جزي رحمه الله تعالى :" النكاح الفاسد مفسوخ ، فما كان فساده لعقده فسخ قبل البناء وبعده" وهو نفس القول الذي تبنته مدونة الاسرة مع حصر الحالات المقصودة حيت  جاء في المادة  61
يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء وبعده، وذلك في الحالات الآتية :
- إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين، إلا أن يشفى المريض بعد الزواج.
- إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوثة لمن طلقها ثلاث.
- إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه.
يعتد بالطلاق أو التطليق الواقع في الحالات المذكورة أعلاه، قبل صدور الحكم بالفسخ.
فهذه المادة نصت على ثلاثة حالات يعتبر فيها الزواج فاسدا لعقده ويجب فيه الفسخ قبل البناء وبعده وهي.

 الحالة الأولى: زواج المريض مرض الموت.

إذا تزوج رجل امرأة في مرض موته اعتبر ذلك الزواج فاسدا لعقده، لأن المرض قد يذهب بأهليته، و لأنه  يتهم بمحاولة الإضرار بالورثة بإدخال وارث جديد عليهم، فيعامل بنقيض قصده. ولتصرفات المريض مرض الموت  تطبيقات عديدة في الفقه الإسلامي ليس هذا مجال التفصيل فيها، وإن كنا سنشير إلى بعضها كطلاق المريض مرض الموت. ويشترط حتى يفسد الزواج أن يتصل المرض الذي  تزوج فيه المريض بموته، أما إذا صح واستعاد عافيته وكامل أهليته فإن زواجه يصح.

الحالة الثانية : نكاح التحليل.

ومعناه أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاث طلقات حرم عليه أن يتزوجها من جديد حتى تتزوج غيره زواجا صحيحا، وذخل بها دخولا شرعيا، أما إذا كان الزواج بنية تحليل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول، فهذا النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده. 

الحالة الثالثة: إذا كان الطلاق بدون ولي عند الحاجة إليه.

    قلصت مدونة الأسرة صلاحيات الولي في زواج ابنته او وليته عندما تكون راشدة او بالغة سن الزواج، فصار وجوده شكليا فقط لمساعدتها على ابرام عقد الزواج ولم تعد صحة الزواج متوقفة على موافقته.
     اما عندما تكون الزوجة قاصرة أي تزوجت دون سن الثامنة عشرة فمعلوم أن زواجها يكون بإذن من القاضي، وبموافقة الولي الذي يصبح شرطا أساسيا بحث لو تزوجت القاصر دون حضوره وموافقته اعتبر ذلك الزواج فاسدا لعقده لأن المرأة القاصر ناقصة الاهلية فلابد من وجود نائبها وهو الولي.

    وثمة حالات أخرى لم تذكرها المدونة يكون فيها الزواج فاسدا لعقده منها  صريح الشغار، ونكاح المتعة، وزواج المرأة أثناء عدتها، وزواج السر وهو الذي يتفق فيها الطرفان على إسقاط الإشهاد.

أحكام الزواج غير الصحيح.

 جاء في المادة 64 أن :
" الزواج الذي يفسخ طبقا للمادتين 60 و 61 أعلاه، لا ينتج أي أثر قبل البناء، وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه".
درج فقهاء  المالكية على تقسيم الزواج غير الصحيح إلى قسمين ورتبوا على كل قسم آثارا مختلفة:

القسم الأول :  الزواج مجمع على فساده .

وهو الذي اصطلحت عليه المدونة بالزواج الباطل، أي لا يوجد من العلماء من يقول بصحته كالزواج بالمحرمة من النسب، و ومن أحكامه:
  ا- الزواج المجمع على فساده يفسخ بغير طلاق، ولذلك لا يحسب هذا الفسخ في عدد الطلقات، كما لا يحتاج إلى الحكم بفسخه لأنه مفسوخ من قبل الشرع.
  ب- لا توارث فيه بين الزوجين ولو بعد الدخول سواء مات أحدهما قبل الفسخ أو بعده لأنه مفسوخ شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا.
ج لا صداق فيه إن فسخ قبل الدخول، وللزوجة المسمى من الصداق إن فسخ بعد الدخول، أما إذا لم يسم الصداق فلها صداق المثل. 
  د- يترتب عليه النسب وحرمة المصاهرة إن كان هذا الزواج قد حصل بحسن نية لوجود شبهة تدرأ عن الزوجين حد الزنا. اما إذا كان بسوء نية فإنه يعتبر زنا محضا لا شبهة فيه وبالتالي فلا يلحق فيه نسب ولا ينشر الحرمة ومن ذلك ان يتزوج الرجل المرأة التي طلقها ثلاثا، أو امرأة تحرم عليه حرمة مؤبدة مع علمه بذلك، أو أن يتزوج امرأة خامسة، كل ذلك بشرط علم الزوجين أو أحدهما بما بوجود مانع الزواج ومع ذلك أقدم عليه.
  هـ - أذا كان الزواج مجمعا على فساده فيجب فيه الاستبراء لأنه ينتهي بالفسخ، تمييزا له عن العدة التي تكون يعد الطلاق الذي ينتهي به الزواج الصحيح أو المختلف في فساده.

القسم الثاني الزواج مختلف في فساده.

وهو الزواج الذي يوجد من العلماء من يقول بصحته كزواج المحرم بالحج أو العمرة، ومن أحكامه :
    أ‌- ان الفسخ فيه يعتبر طلاقا، لأن الزوج هو الذي يوقعه ويحسب ذلك الفسخ طلقة.
   ب‌- يكون فيه التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما قبل الفسخ، أما إذا مات في العدة فإنه لا توارث بينهما لأنه يعتبر طلاقا بائنا. ويستثنى من ذلك : طلاق المريض، ونكاح الخيار، والنكاح بلا ولي عند الحاجة إليه، فهذه الحالات لا توراث فيها.
   ت‌- يجب فيه الصداق المسمى، وصداق المثل  إذا لم يسم الصداق.
   ث‌- يثبت فيه النسب لوجود شبهة تدرأ الحد عن الزوجين لأن الاختلاف شبهة تمنع الحد.
   ج‌- الزواج المختلف في فساده يترتب عليه ما يترتب على الزواج الصحيح.
هذه أهم احكام الزواج غير الصحيح ، وقد ٍاينا انه ينقسم إلى زواج باطل وزواج فاسد فالباطل هو ما اختل أحد اركانه ويفسخ فورا بمجرد علم القاضي به ـو بطلب ممن يعنيه الام ، واما الزواج الفاسد فهو ينقسم إلى قسمين فاسد لصداقه وهو ما اختل فيه شرط من شروط الصداق وحكمه أن يفسخ قبل البناء ويصحح بعده مع فر صداق المثل. وهناك زواج فاسد لعقده وهو ما اختل شرط من صروط العقد فيه وله أحكام مختلفة حسب الحالات وقد فصلناها . 

كما ينقسم الزواج الفاسد عند المالكية إلى زواج مجمع على فساده ويرادف الزواج الباطل حسب تقسيم مدونة الأسرة، وزواج مختلف في فساده وهو نفسه الزواج الفاسد المذكور  آنفا.

إرسال تعليق

0 تعليقات