أركان الزواج : الزوجان : تعدد الزواجات (9).

      تعدد الزواجت مسموح به في مدونة الاسرة لكن مع قيود مشددة بعض الشيء، إذ يخضع لإذن القاضي ولإذن الزوجة الأولى.
والأصل في إباحة التعدد قوله تعالى
:
" فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰ⁠حِدَةً" [النساء:3] .
    والمعنى : يباح لكم أن تنكحوا اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، لأن الواو للتخيير لا للجمع. لكن الآية نصت على شرط العدل وإلا عدل الرجل عنه أفضل.
قال ابن العربي في أحكام القرآن:" 
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: (اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وفارق سائرهن). وفي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا). وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ حَرَائِرَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعًا وَيُمْسِكَ أَرْبَعًا".
لكن  سماح  مدونة الأسرة بالتعدد هو  أقرب إلى المنع ذلك ان المادة 40 تنص على أنه:
"يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها".

شروط الإذن بالتعدد 

وفصلت المادة 41 من نفس المدونة الحالات التي ترفض فيها المحكمة الاستجابة لطلب التعدد وهي:
  1. ثبوت مبرر موضوعي استثنائي يدعو للتعدد.
  2. توفر طالب التعدد على الموارد المالية الكافية لإعالة أسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع اوجه الحياة.

إجراءات طلب الإذن بالتعدد

      وفي حالة توفر الشروط يجب على طالب التعدد أن يتقدم بطلب إلى المحكمة، مشيرا فيه إلى الأسباب الموضوعية الاستثنائية المبررة له، مع إرفاق الطلب بإقرار يبين وضعيته المالية (المادة 42).
تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها لحضور المناقشة التي تجري في غرفة المشورة بحضور الزوج كذلك، وللمحكمة أن تأذن بالتعدد إذا ثبت لها وجود مبرر موضوعي استثنائي بالتعدد بمقرر معلل غير قابل للطعن.
وإذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية وأصرت الزوجة الأولى على المطالبة بالتطليق حددت المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة واولادهما الملزم الزوج بالانفاق عليهم.
      وإذا اودع الزوج المبلغ المطلوب تصدر المحكمة حكما بالتطليق، وهذا الحكم غير قابل للطعين في شقه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، ويعتبر عدم إيداع المبلغ المذكور في الاجل المحدد وهو سبعة أيام تراجعا عن طلب الإدن بالتعدد.
      اما إذا تمسك الزوج بالتعدد ولم تأذن الزوجة الأولى، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق لمنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 .
أما في حالة الإذن بالتعدد فإن العقد لا يتم إلا بعد إشعار الزوجة المراد التزوج بها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.

هل تقييد  مدونة الأسرة للتعدد مناف لأحكام الفقه الإسلامي.

       معلوم أن حكم  تعدد الزوجات هو الإباحة، والمباح هو ما استوى فيه الفعل والترك، لكن الناس قد يتلاعبون ببعض الاحكام الشرعية ، ويمارسون الحقوق التي تخولها بنوع من التعسف الذي يلحق الضرر بالغير، في هذه الحالة يميل الشارع إلى  ترجيح جهة المنع والحضر على حهة الفعل، لأن جهة الفعل تفرغ  ذلك الحكم من معناه ومن المقاصد التي قصدها الشرع من تشريعه.
         لهذا أقر الفقهاء بحق "الإمام في تقييد المباح" إذا دعت الحاجة إليه ، واعتبروا ذلك قاعدة فقهية تخول للإمام أو للحاكم أو للسلطة التشريعية أن تقيد المباح في حالتين وهما :
الحالة الأولى: أن يؤدي المباح إلى مفسدة ظاهرة محققة ويوضح هذا قول الشاطبي رحمه الله :" كل فعل مشروع يصبح غير مشروع إذا أدى إلى مآل ممنوع قصد المكلف ذلك المآل أو لم يقصده" ومن القواعد  التي يراعى فيها هذا المعنى  قاعدة :"تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" وبالمراد بالمصلحة هنا المصلحة المعتبرة شرعا لا القائمة على التشهي.
الحالة الثانية: تقييد المباح في بعض جزئياته في احوال معينة وظروف معين إذا افضى إعماله في تالك الحالة إلى مآل ممنوع، وقذ يباح نفس الجزئية في أحوال وظروف أخرى لا ينتج عنها مآل ممنوع في تلك الاحوال والظروف المختلفة.
         ونخلص من هذا أن تقييد التعدد هو من قبيل تقييد المباح، والمدونة لم تمنعه مطلقا بل فرضت توفر شروط معينة ومبررات موضوعية واستثنائية على النحو الذي ذكرناه.
وختاما تجدر الإشارة إلى بعض القوانين تطرفت في تقييده إلى حد المنع وفرض العقوبة على من تزوج بزوجة ثانية ولو بزواج عرف، لكن من سلبيات هذه القوانين أنها وقعت في تناقضات على مستوى الواقع، ذلك انها تجرم الزواج من امرأة ثانية بشكل سليم، ولا تجرم المخادنة والمعاشرة الحرة بين رجل وامرأة في بيت واحد بدعوى احترام الحريات الفردية، فضلا عن ما ينشأ من حالات حمل خارج الزواج وما عن ذلك من حرمان الاطفال من حق النسب.
والحقيقة ان تقييد التعدد بمنعه هو نتيجة لسجال أيديولوجي يهاجم ما هو شرعي ويجرمه ويمجد كل ما خرج عن احكام الشرع بدعوى احترام الحريات والله أعلم . 

إرسال تعليق

0 تعليقات