أركان الزواج في مدونة الأسرة : الصداق: شوطه، مقداره، أحواله، والتنازع حوله .


    الصداق في حقيقة الأمر شرط وليس ركنا، لكن الفقهاء يسموه ركنا من باب التساهل في التسمية فقط ، واعتبره ابن جزي شرطا ، قال في القوانين الفقهية :" وهو شرط بإجماع ولا يجوز التراضي على إسقاطه ولا اشتراط سقوطه" .

أولا : تعريف الصداق.


   والصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته من مال عند الزواج ويسمى المهر والنحلة والفريضة .


وعرفته مدونة الأسرة في المادة 26 بقولها :

 الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية.

والدليل على وجوبه قوله تعالى ": 
 وَءَاتُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحۡلَةࣰۚ " [النساء : 4]، وقوله :" فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ" [النساء : 24].

ثانيا : شروط الصداق .


    بينت المادة 28 من مدونة الاسرة بعض هذه الشروط بقولها :"

"كل ما صح التزامه شرعا، صلح أن يكون صداقا، والمطلوب شرعا تخفيف الصداق".

ويتبين ان الصداق يجب ان لكون مالا يصح الالتزام به شرعا، وعلى هذا فشروطه ثلاثة وهي:

  • أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه ... ولا يجوز بخمر او خنزير وغيرهما مما لا يتملك شرعا.
  • ان يكون معلوما فلا يجوز بمجهول إلا في نكاح التفويض.
  • أن يسلم من الغرر.

ثالثا : مقدار الصداق.


    لم تحدد مدونة الأسرة حدا أدنى أو أعلى للصداق، بل وضعت له شروطا فقط وقد أشرنا إليها، لكنها وجهت إلى أهمية التخفيف تحقيقا لمقصد الشرع وغن كان هذا التوجيه غير ملزم كما هو مستفاد من عبارتها.

    ويشهد لهذا العديد من الروايات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم :" إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" .

وما روي عن عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خير الصداق أيسره".

ولفظ هذه النصوص يدل على استحباب التخفيف من المهور وعدم المغالاة فيها.

    وقد اتفق العلماء على أنه لا حد لأكثر الصداق، وإن كان يستحب التخفيف وعدم المغالاة، لكنهم اختلفوا في أقله، لهذا فعندما أراد عمر بن الخطاب أن يمنع المغالاة في المهور وأن يجعل للصداق حدا لا تجوز الزيادة عليه قالت له امرأة :" ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول :" ءَاتَیۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارࣰا فَلَا تَأۡخُذُوا۟ مِنۡهُ شَیۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا" فتراجع عن ذلك.


اختلاف العلماء في أقل الصداق.

     قال ابن جزي رحمه الله في القوانين الفقهية :" ولا حد لأكثره ، واقله ربع دينار من الذهب ، او ثلاثة دراهم من الفضة شرعية ، او ما يساوي أحدهما ، وقال أبو حنيفة أقله عشرة دراهم ، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق لا حد لأقله بل يجوز ولو بخاتم من حديد كما جاء في الحديث" [ص 350].  

    وكلام ابن جزي رحمه الله يفيد أن في تحديد أقل الصداق ثلاثة أقوال وهي على التوالي:

  •  القول الأول: أقله عشرة دراهم فضية وهو قول الحنفية
  •  القول الثاني: أقله ربع دينار  دهبي أو ثلاثة دراهم فضية وهو قول المالكية .
  •  القول الثالث: لا حد لأقله بل يجوز ولو بخاتم من حديد. وهو قول الشافعي وإسحاق، ونققل عن الشافعي كذلك أن أقل الصداق هو ما يصح ان يكون أجرة أو ثمنا وهذا يفيد أن ما لا قيمة له لا يصح أن يكون صداقا.

   اما إذا لم يحدد مقدار الصداق عند العقد اعتبر العقد نكاح تفويض، وهذا يعني أنه يجب أن يتراضى الزواجان بعد البناء على مقداره، وإذا اختلفا فإن المحكمة تحدد مراعية الوسط الاجتماعي للزوجين حسب المادة 27 من مدونة الأسرة.

ويحيل هذا على ما يسميه الفقهاء صداق المثل، ويرجع تحديد إلى الأعراف التي تخص كل بلد. 


أنواع الصداق.


   ينقسم الصداق إلى مسمى ومفوض من حيث كونه معينا ومقدرا أي محدد المبلغ والقيمة.

   وينقسم إلى معجل ومؤجل من حيث أدائه  كاملا عند العقد أو أداء بعضه وتأجيل الباقي.

·  الصداق المسمى والصداق المفوض.

الصداق المسمى : هو الذي اتفق الطرفان على مقداره ونوعه ومتى يدفع.

الصداق المفوض: وهو الصداق الذي سكت الطرفان عن تحديد قيمته ونوعه قال ابن جزي : "وهو ان يسكتا عن تعيين الصداق حين العقد ويفوض إلى أحدهما أو إلى غيرهما " وهو جائز اتفاقا، شرط ألا يكون السكوت عنه بسبب الاتفاق على اسقاطه، لأن ذلك يفسد القعد.

· الصداق المعجل والصداق المؤجل.

نصت عليه مدونة الأسرة في المادة 30 بقولها:" يجوز الاتفاق على تعجيل الصداق او تأجيله إلى أجل مسمى كلا او بعضا".

     الصداق المعجل: وهو الذي اتفق الزواجان على أدائه عند العقد أو عند الدخول.

    الصداق المؤجل: وهو الصداق الذي اتفق الطرفان على أدائه بعد الدخول، وقد يؤجل كله او بعضه وهو الغالب. قال ابن جزي :" يجوز أن يكون الصداق نقدا – أي معجلا - وكالئا – أي مؤجلا - إلى أجل معلوم تبلغه أعمار الزوجين ".

رابعا: أحوال الصداق.


قال ابن جزي رحمه الله :" ويجب جميعه – أي الصداق- بالدخول أو بالموت اتفاقا ، ونصفه بالطلاق قبل الدخول اتفاقا، إلا عن طلقها في نكاح التفويض. " [ القوانين الفقهية ص 350.].

ويظهر من هذا الكلأم أن للصداق ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: استحقاق الصداق كاملا :
 تستحق المرأة الصداق كاملا بالدخول وهو الوطء لا مجرد الخلوة وإرخاء الستور خلافا لأبي حنيفة ، وبعضهم يوجبه كاملا بمجرد الخلوة بين الزوجين .

ويجب الصداق كاملا كذلك إذا مات أحد الزوجين.

وقد نصت  الفقرة الأولى من المادة 32 من مدونة الأسرة المغربية على ان الزوجة تستحق الصداق كله بالبناء أو بالموت قبله.

      وقد درج الاجتهاد القضائي في عدة احكام على اعتبار الخلوة كافية لاستحقاق الصداق كاملا، لانهاقرينة على الوطء.

     ومن ذلك قرار صادرعن المجلس الأعلى بتاريخ 17/06/2009. ومما جاء فيه :" من المقرر شرعا ان ثبوت الخلوة الشرعية قرينة على الوطء وان الزوجة مصدقة بيمينها في ادعائها ولو كانت متلبسة بمانع شرعي كالحيض وغيره فأحرى إن كان المانع غير ذلك كالمرض والمحكمة لما ثبت لها حصول الخلوة ، وصدقت الزوجة بيمينها في ادعائها الوطء، وقضت لها بكامل صداقعها تكون قد طبقت القواعد الشرعية المقررة" [مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي محمد بفقير ص 43].


      ونذكر فيما يلي مقاطع من قرارات قضائية في نفس المعنى:

حيت إن العادة محكمة ، وأن الدخول ثبت منذ زيارتها له في داره إذ مظنة الدخول هو الاختلاء، ولس مقصورا على وليمة الزفاف فحسب" [قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 28/12/1975].

   
وفي قرار آخر :" مرافقة الزوجة في السفر والتنقل بها يعتبر شاهدا عرفيا يؤيد التلقية المدلى بها لإثبات الخلوة والقول قولها في ادعاء المسيس بعد يمينها. بالمسيس بعد الخلوة تستحق المطلقة كامل المهر والمتعة ويتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر أن الخلوة وحدها كافية لاستحقاق المهر والمتعة دون أداء اليمين" [قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26/05/1977].


    وفي قرار آخر :" المقرر في المذهب المالكي من أن المدعية إذا اختلى بها الزوج خلوة اهتداء بإقرارهما او بشهادة الشهود ، ولو حلفت امرأتان اليمين على دعواها استحقت المهر كله" [قرار المجلس الأعلى بتاريخ 22/09/78]. وهذه القرارات مشار إليها في كتاب مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي ص 42.


الحالة الثانية: استحقاق نصف الصداق.

تستحق المرأة نصف الصداق إذا عقد عليها بصداق معلوم ثم طلقت قبل الدخول، حينئذ تستحق نصف الصداق المسمى.وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 32 من مدونة الأسرة  بقولها :" تستحق الزوجة نصف الصداق المسمى إذا وثع الطلاق قبل البناء"، والأصل في ذلك قوله تعالى :"  وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ " [البقرة : 237 ].

الحالة الثالثة: عدم استحقاق الزوجة أي شيء  من الصداق. 
 
وقد بينت المادة 32 من مدونة الأسرة في فقرتها الثالثة هذه الحالات بقولها :"

لا تستحق الزوجة الصداق قبل البناء:

إذا وقع فسخ عقد الزواج.

إذا وقع رد عقد الزواج بسبب عيب في الزوجة أو كان الرد من الزوجة بسبب عيب في الزوج.

أذا حدث الطلاق في زواج التفويض.

   وقد لخص ابن جزي هذا الكلام بعبارة موجزة قال فيها:
"فإذا فسخ النكاح أو رده الزوج بعيب لم يجب لها شيء، واختلف هل يجب لها إذا ردته هي بعيب فيه"، ويفهم من هذا أن من الفقهاء من يوجب للمرأة الصداق إذا ردت هي الزوج بعيب فيه. في حين سوت المدونة بين الحالتين، وأرى ان هذا الرأي الفقهي أكثر تقدما وعدالة مما ذهبت إليه المدونة ذلك أنه لو أن الزوجة رد زوجته بعيب فالغرر حاصل من جهتها لذلك لم تستحق الصداق، اما إذا ردته هي بعيب فيه فالغرر حاصل من جهة الزوج لذلك وجب عليه دفع الصداق او نصفه لأنه من يتحمل مسؤولية إخفاء عيبه.


خامسا : التنازع في الصداق.


الاختلاف في الصداق إما ان يكون في قبضه أو حول قدره.


أولا: الاختلاف في قبض الصداق.

    إذا اختلف الزوجان في قبض الصداق بأن ادعى الزوج تسليمه للزوجة، وادعت الزوجة أنها لم تقبض شيئا، فإن وقع النزاع قبل الدخول فالقول قول الزوجة بعد ان تحلف إن كانت رشيدة فيحكم على الزوج به، اما إذا كانت محجورة فيحلف وليها.

أما إذا وقع الخلاف بعد الدخول فالقول قول الزوج بعد أن يحلف على انه دفعه إليها.

    وإنما قبل قول الزوج في هذه لأنه كان بإمكان الزوجة أن تمتنع عن الدخول قبل قبض صداقها.


 قال ابن جزي :" وإن اختلف في القبض فالقول قولها قبل الدخول، والقول قوله بعد الدخول إلا إن كان هناك عرف فيرجع إليه، وقال الشافعي وأحمد فالقول قولها مطلقا". [ص 353]


    اما الاختلاف في القدر المؤجل من الصداق، فإن الزوج ملزم بإثبات أدائه له، وهذا يعني أنه إذا سلم لها ما تبقى من صداقها يجب أن يوثق ذلك كتابة أو بالشهود، حتى يتمكن من لإثباته عند التنازع.

واعتبرت المدونة الصداق دينا ممتازا لا يسقط بالتقادم.


ثانيا: الاختلاف في مقداره.

      لم تشر المدونة إلى هذه المسألة ربما لأنها أوجبت في إجراءات عقد الزواج أن الشاهدين العدلين يتأكدان بنفسهما من مقدار الصداق ويثبتانه في وثيقة الزواج وهذا يمنع التنازع حول مقداره.

    لكن إن حصل ذلك فإنه إما أن يقع قبل الدخول أو بعده.

فإن وقع التنازع حول مقدار الصداق قبل الدخول قال ابن جزي :" وإن اختلف في مقدار الصداق تحالفا وتفاسخا وبذئت باليمين، ومن نكل منهما قضي عليه مع يمين صاحبه" [ص 353].

 ومعنى هذا الكلام انه ادا ادعت الزوجة ان قدر الصداق ألفان وقال الزوج بل هو ألف وكان ذلك قبل الدخول، تحلف الزوجة على دعواها إن كانت رشيدة ثم يحير الزوج  بين أن يؤدي لها ما حلفت عليه، أو يحلف على ما ادعاه ويفسخ النكاح ولا شيء عليه من الصداق لان الزواج انحل بالفسخ قبل الدخول .

أما إذا وقع النزاع بعد الدخول فإن الزوج يحلف على ما يدعيه ويصدق حينئذ فان نكل حلفت الزوجة وحكم لها بما تدعيه.  

إرسال تعليق

0 تعليقات