التعليق على مدونة الأسرة: أركان الزواج: الزوجان : الخلو من الموانع الشرعية ( 8) .


أشرنا سابقا إلى شط الاهلية الذي تقضي بأن يكون الرجل والمرأة بالغين سن الزواج.
وبقي الشرط الآخر وهو الخلو من الموانع الشرعية.

 المقصود بالموانع الشرعية.

المانع عند الأصوليين هو الوصف الذي يلزم من وجوده عدم الحكم أو بطلان السبب، وبهذا المعنى فموانع الزواج عبارة عن صفة او مجموعة من الصفات التي إذا وجدت في المرأة معينة حرم الزواج بها من رجال معينين. فإذا أبرم الزواج رغم وجود المانع يكون غير منعقد أي لا يترتب عليه أي أثر او غير صحيح يجب فسخه.

وهذه الموانع تنقسم إلى قسمين: موانع مؤبدة وموانع مؤقتة كما نصت على ذلك المادة 35 من مدونة الأسرة.   

 الموانع المؤبدة.

يقصد بالموانع المؤبدة تلك الموانع التي لا يمكن أن ترتفع في المسقبل، فالمرأة المحرمة تحريما مؤبدا لا يمكن الزواج منها أبدا.
وقد أشارت مدونة الأسرة إلى ثلاثة موانع مؤبدة وهي مانع القرابة (المادة 36)، ومانع المصاهرة (المادة 37)، ومانع الرضاع (المادة 38). ولم تشر إلى مانعين آخرين كانا مذكورين في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وهما : وطء العاقد في العدة ولو بعدها، واللعان.
وسنتحدث عن كل مانع من هذه الموانع بنوع من الإيجاز.

أولا: مانع القرابة.

فإذا كان بين الرجل والمرأة قرابة معينة، فإنها تمنع زواج أحدهما بالآخر.
جاء في المادة 37 من مدونة الأسرة:

"المحرمات بالقرابة أصول الرجل وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا".
فأصول الرجل الام وما علا.
 وفصول الرجل هي البنت وإن نزلت أي بنت البنت او بنت الأبن.
وفصول اول أصول الرجل : الأخت وابنتها، وبنت الاخر وما سفل منهما.
وأول فصل الرجل من كل أصل : العمة والخالة، اما بنت العمة وبنت الخالة فلا تحرمان.
والنساء المحرمات بالقرابة هن المذكورات في قوله تعالى :" حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ".
فالمحرمات بالقرابة حسب هذه الآية هن الأم والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت.

ثانيا : مانع المصاهرة.

والمصاهرة هي العلاقة التي تنشأ بسبب الزواج .
جاء في المادة 37 من مدونة الأسرة:

"المحرمات بالمصاهرة، أصول الزوجات بمجرد العقد، وفصولهن بشرط البناء بالأم، وزوجات الآباء وإن علوا، وزوجات الأولاد وإن سفلوا بمجرد العقد".
فالمحرمات حسب هذه المادة أربع نساء وهن:
أم الزوجة أو أمها: 
وهما المقصودتان بأصول الزوجات ، فإذا تزوج رجل امرأة أي عقد عليها ثم مات عنها او طلقها، حرمت عليه أمها وأم أمها تحريما مؤبدا  ولو لم يدخل بها ، بل يحصل التحريم بمجرد العقد وهذا عند جمهور الفقهاء، لذل قالوا :" العقد على البنات يحرم الأمهات" .
بنت الزوجة وما تنسل منها: 

وهي المشار إليها بفصولهن بشرط البناء بالأم، أي إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها، حرم عليه ان يتزوج ابنتها لقوله تعالى:
" وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُم" [النساء:4].
فالدخول شرط في التحريم بصريح الآية عكس أمهات الزوجات فإنه يحصل بمجرد العقد.
زوجة الأب:  

ويدخل في الأب الجد وإن علا، والأصل في ذلك قوله تعالى:
"وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَاۤؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَمَقۡتࣰا وَسَاۤءَ سَبِیلًا" [النساء : 22].
زوجة الإبن وما تنسل منها: 
لقوله تعالى:" ۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ" [النساء: 04]
فإذا تزوج رجل امرأة حرم على أبيه ان يتزوجها بعد سواء مات عنها او طلقها ن ويصبح التحريم ساريا بمجرد العقد ولا يشترط  الدخول.
ونختم هذه الموانع بالآية الكريمة التي جمعت المحرمات بسببي القرابة والمصاهرة وهي قوله تعالى:

"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا" [سورة النساء].

المانع الثالث : الرضاع :

يقصد بالرضاع وصول لبن الآدمية إلى جوف شخص آخر يكون ذلك اللبن غداءه، وقد حددت مدونة الاسرة المحرمات من الرضاع في المادة 38 التي جاء فيها:
" - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة.
- يعد الطفل الرضيع خاصة، دون إخوته وأخواته ولدا للمرضعة وزوجها.
- لا يمنع الرضاع من الزواج، إلا إذا حصل داخل الحولين الأولين قبل الفطام".
والأصل في كون الرضاع مانعا من موانع الزواج المؤدبة قوله تعالى :" وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ".  فالرضيع إذا كان ذكرا: حرم عليه ان يتزوج المرأة التي أرضعته لأنها أمه من الرضاع.
وحرم عليه أن يتزوج بنتها سواء كانت من رحمها أو أرضعتها لأنها أخته من الرضاع.
وحرم عليه ان يتزوج اخت المرة التي أرضعته لأنها خالته من الرضاع.
وحرم عليه ان يتزوج ام زوج المرأة التي أرضعته سواء كانت امه بالنسب او بالرضاع.
وحرم عليه ان يتزوج بنت زوج المرأة التي أرضعته لأنها أخته من الرضاع ولو كانت من زوجة أخرى غير الزوجة التي أرضعته.
وحرم عليه ان يتزوج اخت زوج المرضع لأنها عمته من الرضاع سواء كانت أخته من النسب او من الرضاع.
حرم عليه أن يتزوج بنت أخيه  وبنت أخته سواء كانت الاخوة ثابتة بالنسب او بالرضاع ...
وهذه هو المقصود بقول المدونة : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة" .
مع قيد لا بد من اعتباره وهو ان الرضيع هو الذي يعتبر ابنا للمرضع وزوجها، دون إخوته واخواته بالنسب الذين لم ترضعهم نفس المرأة.

شروط الرضاع المحرم :

يشترط في الرضاع الذي يكون سببا في تحريم الزواج ويكون مانعا مؤبدا للزواج عدة شروط:
* أن يكون الرضاع داخل الحولين الاولين.
لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا رضاع إلا ما كان في الحولين"
* ان يصل اللبن إلى الحلق أو الجوف من الفم برضاع من الطفل مباشرة من الثدي على الطريقة المعتادة.
ثم اختلف الفقهاء في القدر المحرم، فبعضهم قال إن المصة او المصتان لا ترحم الزواج، ومنهم من ذهب إلى ان القدر المحرم هو خمس رضعات معلومات متيقنات وهو قول الشافعي، اما الجمهور أن اللبن أذا وصل إلى جوف الرضيع يحرم ولو كان قطرة، ومذهب الجمهور احوط لنه يخرج من الخلاف. ولم تحدد المدونة عدد الرضعات المطلوبة. 

 الموانع المؤقتة .

وهي التي يمكن أن ترتفع وتزول، ولهذا فإنها تمنع الزواج ما دامت قائمة، فأذا زالت جاز الزواج.
وقد جمعت مدونة الأسرة الموانع المؤقتة في المادة 39 ونصها:

"موانع الزواج المؤقتة هي :
1- الجمع بين أختين، أو بين امرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع.
2- الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا.
3- حدوث الطلاق بين الزوجين ثلاث مرات، إلى أن تنقضي عدة المرأة من زوج آخر دخل بها دخولا يعتد به شرعا.
زواج المطلقة من آخر يبطل الثلاث السابقة، فإذا عادت إلى مطلقها يملك عليها ثلاثا جديدة
4- زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية
5- وجود المرأة في علاقة زواج أو في عدة أو استبراء".
ويمكن تلخيص هذه الموانع فيما يلي "

أولا : الجمع بين امرأتين يمنع العقد على إحداهما الزواج من الأخرى.

وعلى هذا فلا يجوز للرجل ان يجمع بين :
الجمع المرأة واختها : وفي ذلك يقول الله تعالى في سياق بيان المحرمات من النساء :" وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف" ويستوي في ذلك ان تكون الأختان شقيقتين او لأب أو من جهة الام أو كانتا اختين من الرضاع، لكن إذا طلق الزوجة أو ماتت وهي في عصمته ارتفع هذا المانع وأمكن للرجل الزواج بإحدى النساء المذكورات.
الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها: وقد ورد النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها او حالتها في أحاديث كثير بلغت حد التواتر ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ نَهى أن تُنكحَ المرأةُ على عمَّتِها أوِ العمَّةُ على ابنةِ أخيها أوِ المرأةُ على خالتِها، أوِ الخالةُ على ابنَةِ أختِها، ولا تُنكحُ الصُّغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصُّغرى" .

ثانيا: الزيادة على القدر المسموح به شرعا:

فمن كان في عصمته أربع زوجات حرم عليه أن يزيد الخامسة، فإذا تزوج الخامسة كان هذا العقد فاسدا لوجود أربع زوجات في عصمته، للأحاديث الواردة في هذا الباب منها ما رواه بن عمر: "أنَّ غَيلانَ بنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أسلَم وله عشْرُ نِسْوَةٍ في الجاهليةِ فأسلَمْنَ معَه فأمَرَه النبيُّ ﷺ أن يتخَيَّرَ منهنَّ أربعًا".
 مع العلم أن حالة الزواج بأربع تكاد تكون منعدمة في المغرب، فالتعدد قليل وإن وجد فلا يتجاوز امرأتينن، والزواج بالثانية يخضع إجراءات مشددة سنفصل فيها لاحقا.

ثالثا : المطلقة ثلاثا قبل ان تتزوج غيره:

إذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات كانت الثالثة طلقة بائنة بينونة كبرى، ويمنعه ذلك من الزواج من مطلقته حتى تتزوج زوجا غيره، بعقد صحيح ويدخل بها دخولا شرعيا فيطلقها او يموت عنها، ثم تنقضي عدتها، لقوله تعالى :
" ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ [البقرة : 229] وقوله :" فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَیۡرَهُۥۗ "[البقرة : 230].
أما نكاح التحليل  فهو حرام شرعا لأنه زواج بنية الطلاق ، والزواج يجب أن ينعقد على نية الدوام، كما فيه تحايلا على احكام الشرع واستهزاء بآيات الله تعالى.

رابعا : زواج المسلمة بغير المسلم :

فاختلاف الدين بينهما مانع مؤقت فإذا أسلم الرجل، جاز له حينئذ أن أن يتزوج بالمسلمة.

خامسا: وجود المرأة في عصمة رجل آخر، او في عدة أو استبراء. 

إذا كانت المرأة معتدة من طلاق او وفاة فلا يجوز لها التزوج من جديد حتى تنقضي عدتها .
وتمة مانعان آخران لم تذكرهما المدونة وهما :

مانع الإحرام :

فالمحرم بالحج يمنع عليه أن يزوج نفسه أو غيره ما دام محرما، وهذا المانع لا يحتاج إلى إدراجه في المدونة، فالمحرم بالحج يحرص على تجنب كل ما قد يؤثر علي حجه .

 مرض الموت:

يرى المالكية في الراجح عندهم ان المرض المخوف الذي يتصل به الموت عادة، يمكن ان يمنع من الزواج سواء كان المريض امرأة او رجلا، لان مثل هذا الزواج لا يقصد به غالبا إلا التضييق على الورثة بإدخال وارث آخر، ولمرض الموت أحكام كثيرة في الفقه الإسلامي ليس هذا مجال التفصيل فيها.

إرسال تعليق

0 تعليقات