التعليق على مدونة الأسرة : تعريف عقد الزواج وطبيعته(4).

الزواج ميثاق غليظ، فهو وإن كان عقدا رضائيا إلا أنه عقد لا كسائر العقود، فهو يتميز عنها من حيث شكليات إبرامه، وإجراءاته، وآثاره التي لا دخل لطرفيه في تحديدها، بل هي محددة سلفا شرعا وقانونا، وليس امامهما إلا امتثالها.
و عرفت مدونة الأسرة الزواج في المادة الرابعة بقولها 

الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة.


فقد عبرت المدونة عن عقد الزواج  بلفظ الميثاق، للدلالة على قداسته وانه عقد من طبيعة خاصة، يختلف عن باقي العقود التي تكون على المنافع المادية بالأساس.
اما قولها " تراض" إشارة إلى الصيغة التي يتم بها الزواج وهي من أهم أركانه،  إذ يجب أن تدل على رضا كل من الرجل والمرأة بالزواج من غير إكراه، أو عيب يشوب ارادتهما. 
أما قولها "شرعي"  فيفيد أن هذا العقد يجب أن يتم وفق الشريعة الإسلامية ، أي احترام الشكليات التي قررها ا لفقهاء الإسلام انطلاقا من دراستهم لنصوص الوحي كتابا وسنة، وأكدتها نصوص هذه المدون،ة لذلك وصف عقد الزواج بأنه من العقود الشكلية التي لا يكفي فيها مجرد حصول الاتفاق بين الطرفين، وفي ذلك إخراج للعلاقات القائمة على المعاشرة الحرة بين رجل وأمرأة بدون عقد زواج أبرم وفق الشكليات المذكورة، فهذه العلاقات في نظر مدونة الأسرة غير معترف بها بل هي محض زنا.
اما قولها : بين "رجل وامرأة" فللتأكيد على على أن الأسرة التي يعترف بها القانون المغربي هي التي تتم بين رجل وامرأة، وفي هذا قطع للطريق على ما يسميه الغربيون وبعض أديالهم  في بلداننا أشكالا جديدة  للأسرة اقتضاها التطور في زعمهم لذلك يسمون الأسرة التي تنشأ رجل وامرأة شكلا تقليديا من أشكال الأسرة، وهذا في الحقيقة محاولة لإضفاء الشرعية على العلاقات التي تحصل بين الشواذ جنسيا، ومعروف أن الشذوذ الجنسي ينافر فطرة الإنسان، كما ان العلاقات التي تربط بين الشواذ لا تحقق أيا من مقاصد الزواج ومنها إنشاء أسرة وانجاب الاطفال، لذلك قطعت مدونة الأسرة الطريق على أي نقاش يروم الاعتراف بهذه الاشكال الشاذة.
ومعروف أن  معظم البلدان الغربية تنظم هذه العلاقات قانونيا، ففرنسا مثلا  خصصت لها  فصولا من قانونها المدني، ورتبت على آثارا قانونية. 

اما  قولها " على وجه الدوام"  فمعناه انه لا يمكن إبرام عقد زواج مؤقت وفق أحكام هذه المدونة، وهو ما اصطلح عليه في الفقه الإسلامي بنكاح المتعة الذي يحرمه أهل السنة بجميع مذاهبهم ، ويجيزه فقهاء الشيعة الإمامية، وإن كانت الإحصائيات تدل على اكثر من يقبل عليه هو فقهاء الشيعة، اما غالبية الناس من الشعب فيرفضونه لأنه في حقيقة الامر عبارة عن دعارة مقنعة، تضطر إليها بعض النساء لفقرهن.
أما ما تبقى من هذه المادة فهو في نظري خارج عن التعريف يمكن الاستغناء عنه، إلا انه أشار  بعض  أهم مقاصد الزواج التي منها الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين.
وكانت مدونة الاحوال الشخصية الملغاة قد نصت في تعريفها للزواج على مقاصد أخرى منها تكثير سواد الامة، كما بينت ان الاسرة تكون تحت رعاية الزوج فقط وبمشاركة من الزوجة. 

ونختم الكلام على تعريف الزواج بالإشارة إلى حكمه الشرعي، فقد نص الفقهاء على أن حكمه الاصلي هو الندب والاستحباب، وذكروا كذلك  انه تعتريه الاحكام الخمسة فقد يكون واجبا أو محرما أو مكروها حسب الاحوال التي تتلبس بالشخص، فيضاف أحد هذه الاحكام إلى حالته، وهذه الاحوال مفصلة في المصادر الفقهية، والحق أنه بعد معرفة الحكم الأصلي فإن كل شخص يمكن أن يعرف حكم حالته انطلاقا  من وضعه فهو أعرف  بنفسه وأبصر.

إرسال تعليق

0 تعليقات