التعليق على مدونة الأسرة : أحكام الخطبة (3).

والكلام على الخطبة يقع في القسم الأول الكتاب الاول من  مدونة الأسرة الذي صدر بتعريف الزاوج في المادة الرابعة، وسنؤجل الكلام عن الزواج واحكامه إلى ما بعد الانتهاء من تفصيل أحكام الخطبة والتي تنظمها المدونة ابتداء بالمادة الخامسة إلى غاية المادة التاسعة.
والكلام على الخطبة سيكون في  تعريفها ، ثم بعض احكامها في الفقه الاسلامي ، ثم بيان طبيعتها ، واخيرا ما يترتب عن العدول عنها من آثار.  

أولا : تعريف الخطبة . 

"الخطبة بكسر الخاء: طلب الرجل او من يمثله المرأة للزواج، ويسمى الرجل خاطبا والمرأة مخطوبة"[ أنظر أحكام الأسرة لابن معجوز] ، او  هي عبارة تعبير واضح عن إبداء الرجل رغبته في الزواج من امرأة معينة، وان يعد كل من الرجل والمرأة الآخر بالزواج منه . 
وقد عرفت مدونة الأسررة الخطبة في المادة الخامسة منها  " بأنها تواعد بين رجل وامرأة على الزواج" ، ثم أشارت إلى  ما تتحقق به الخطبة ، ويشمل ذلك اي وسيلة دل العرف على إفادتها للتواعد بالزواج من ذلك قراءة الفاتحة ، وما اعتاده الناس من تبادل الهدايا .
 ونص المادة الخامسة : 
الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج.
- تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا.

ثانيا : العدول عن الخطبة وما يترتب عنه . 

ونصت المادة السادسة على أنه:
يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، ولكل من الطرفين حق العدول عنها.
وتفيد هذه المادة أن التواعد على الزواج الذي يحصل بين الطرفين في الخطبة ليس ملزما  إذ يحق لكل من الطرفين العدول عن وعده .
ثم نصت المادة السابعة على أن مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه أي  تعويض ، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر أمكن حينئذ للمتضرر أن يطالب بالتعويض. فالعدول في حد ذاته لا يرتب أي أثر ، إذا تم على نحو هادئ دون التسبب في أي ضرر . 

ومما يترتب على العدول حق كل من الخاطب والمخطوبة في استرجاع الهدايا ما لم يكن العدول من قبل ، فترد الهدايا بعينها او تسترد قيمتها كما نصت على ذلك المادة الثامنة من المدونة. 

وتنظم المادة التاسعة حالة ناذرة وغريبة في الوقت نفسه، وتتعلق بما إذا قدم الخاطب جزءا من الصداق في فترة الخطوبة ثم عدلت المرأة عن الخطبة، أو مات احدهما أثناء الخطبة، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما أو مثله أو قيمته يوم تسليمه، وإذا لم ترغب المخطوبة في اداء المبلغ الذي حول إلى جهاز تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى" 
 ونص هذه المادة :" 
- إذا قدم الخاطب الصداق أو جزءا منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثناءها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه.

- إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه.

والظاهر ان وضع هذه المادة في المدونة فيه تكلف واضح، دوافعه فكرانية أيديولوجية خاصة من بعض الجهات التي تحمل لواء الدفاع عن حقوق المرأة ، فهم أرادوا إثبات ذمة مستقلة للمرأة، فإذا بهم يحملونها تكاليف مادية زائدة، من الممكن أن تدخل فيما يعفوا فيه الناس بعضهم عن بعض خاصة في حالة موت الخاطب. 
كما أن تقديم الصداق قبل إبرام العقد أمر مستغرب، لأن الصداق لا يقدم غالبا إلا أمام العدول للتأكد من أن الزوج قد دفعه، وأن الزوجة تسلمته، إذ هو ركن في الزاوج اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الاتفاق على اسقاطه، لذلك يحرص العدول الموثقون لعقد الزواج على التأكد من مبلغه ، ومن ان الزوجة تسلمته كما سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد  . والله أعلم.

ثالثا: طبيعة الخطبة : 

حكى الدكتور محمد ابن معجوز خلافا في طبيعة الخطبة التي جرى العرف بتبادل الهدايا فيها وقد تقام حفلة بمناسبتها يحضرها الأهل والأقارب ، وقد تقرأ فيه الفاتحة ويتفقون على أن العقد سيتم يوم الزفاف . 
قال بأنه وقع خلاف بين الفقهاء حول ما إذا كان ذلك يعتبر عقدا للزواج بحيث تترتب عليه آثار الزواج الصحيح ، أو أنه مجرد مرحلة لا يترتب عليها أي أثر ، وقد رأى بعض الفقهاء أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة فإن كانت العادة تجري باعتبار هذا الاتفاق زاوجا فالأمر كذلك قيكونوما يتم يوم  الزفاف هو مجرد توتيق للزواج، وإن كانت العادة تجري بغير ذلك لكم يعتبر ذلك زواجا ولا يرتب أي أثر من آثاره. 
وتجدر الإشارة إلى ان الدكتور ابن معجوز لم يحدد القائلين بهذا الكلام من الفقهاء، وإن كانت الأصول لا تأباه ما دام المرجع فيه هو العادة، والعادة محكمة كما في القاعدة الفقهية الشهيرة التي هي من أمهات القواعد. 


والظاهر من كلام مدونة الأسرة في تعريفها للخطبة أن الامر يتعلق بمجرد تواعد بالزواج وليست بزواج بدليل انها اجازت لأي من الطرفين أن يتراجع عنها  متى شاء ، أما إنهاء الزواج بعد إبرامه سواء كان ذلك بطلاق او غيره فأمره مختلف .
وقد فصلت مدونة الاحوال الشخصية الملغاة في طبيعة الخطبة على نحو قاطع، إذ نصت بوضوح على  أن الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج "  وبذلك  فصلت في طبيعتها فصلا قاطعا  لا يحتمل أي تأويل . 

وربما تعمدت مدونة الأسرة التخفيف من هذا الوضوح والقطع  و بإبقاء مساحة من الغموض تسمح بتوثيق حالات الخطبة التي توفرت الشروط المشار إليها أعلاه خاصة في الحالات التي يتعامل فيها الخطيبان معاملة الأزواج وينشأ عن ذلك حمل ، فتكيف علاقتهما  على انها زواج لم يوثق   خاصة إذا أعلنت خطوبتهما على النحو الذي فصله الدكتور ابن معجوز رحمه الله تعالى. وهذا أمر يخضع للسلطة التقديرية للقاضي. وسيأتي بيان ذلك بمزيد تفصيل .

وقبل أن نختم الكلام على الخطبة، تجدر الإشلرة إلى أنه تجوز خطبة كل امرأة يباح للخاطب أن يتزوجها شرط ألا تكون متزوجة، او مخطوبة لشخص آخر، أو في معتدة من طلاق أو وفاة.

إرسال تعليق

0 تعليقات